فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)}
أخرج الطبراني وأبو الشيخ عن أبي الأحوص قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن أخي يشتكي بطنه. فوصف له الخمر فقال: سبحان الله...! ما جعل الله في رجس شفاء، إنما الشفاء في شيئين: القرآن والعسل، فيهما شفاء لما في الصدور وشفاء للناس.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: إن الله سبحانه وتعالى جعل القرآن شفاء لما في الصدور ولم يجعله شفاء لأمراضكم.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أني أشتكي صدري. فقال: اقرأ القرآن، يقول الله تعالى: {شفاء لما في الصدور}».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه «أن رجلًا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع حلقه. فقال: عليك بقراءة القرآن».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: في القرآن شفاءان القرآن والعسل، فالقرآن شفاء لما في الصدور، والعسل شفاء من كل داء.
وأخرج البيهقي عن طلحة بن مصرف كان يقال: إن المريض إذا قرئ عنده القرآن وجد له خفة. فدخلت على خيثمة وهو مريض فقلت: إني أراك اليوم صالحًا. قال: إنه قرئ عندي القرآن. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)}
قوله تعالى: {مِّن رَّبِّكُمْ}: يجوز أن تكونَ {مِنْ} لابتداء الغاية فتتعلَّقَ حينئذ بـ {جاءَتْكم}، وابتداءُ الغايةِ مجازٌ، ويجوز أن تكونَ للتبعيضِ فتتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنها صفة لموعظة أي: موعظةٌ كائنةٌ مِنْ مواعظِ ربكم. وقوله: {مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصدور وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} من باب ما عُطِف فيه الصفات بعضُها على بعض أي: قد جاءتكم موعظةٌ جامعةٌ لهذه الأشياءِ كلِّها.
{وشِفاء} في الأصلِ مصدرٌ جُعِل وَصْفًا مبالغة، أو هو اسمٌ لما يُشْفَى به أي: يداوى، فهو كالدواءِ لما يداوى. و: {لِّمَا فِي الصدور} يجوزُ أن يكونَ صفةً لشفاء فيتعلَّقَ بمحذوف، وأن تكونَ اللامُ زائدةً في المفعول؛ لأن العاملَ فرعٌ إذا قلنا بأنه مصدرٌ. وقوله: {للمؤمنين} محتملٌ لهذين الوجهين وهو من التنازع؛ لأنَّ كلًا من الهدى والرحمة يَطْلبه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)}
الموعظة للكافة... ولكنها لا تنجع في أقوام، وتنفع في آخرين؛ فَمَنْ أصغى إليها بَسْمعِ سِرَّه اتضح نورُ التحقيق في قلبه، ومَنْ استمع إليها بنعت غَيْبَته ما اتصف إلا بدوام حجبته.
ويقال الموعظة لأربابِ الغيبة لِيَؤوبُوا، والشِّفاء لأصحاب الحضور ليطيبوا.
ويقال الموعظة: للعوام، والشفاء: للخواص، والهُدى لخاص الخاص، الرحمة لجميعهم، وبرحمته وصَلوا إلى ذلك.
ويقال شفاءُ كلِّ أحدٍ على حَسَبِ دائه، فشفاءُ المذنبين بوجود الرحمة، وشفاء المطيعين بوجود النعمة، وشفاء العارفين بوجود القربة، وشفاء الواجدين بشهود الحقيقة.
ويقال شفاء العاصين بوجود النجاة، وشفاء المطيعين بوجود الدرجات، وشفاءُ العارفين بالقرب والمناجاة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (58):

قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ثبت ذلك، حثهم عليه لبعده عن السحر بثباته وعدم القدرة على زلزلته فضلًا عن إزالته وبأن شفاء وموعظة وهدى ورحمة فهو جامع لمراتب القرب الإلهي كلها، وزهدهم فيما هم عليه مقبلون من الحطام: لمشاركته للسحر في سرعة التحول والتبدل بالفناء والاضمحلال فهو أهل للزهد فيه والإعراض عنه فقال تعالى: {قل بفضل الله} الآية، وحسن كل الحسن تعقيب ذلك لقوله: {هو يحيي ويميت} لما ذكر من سرعة الرحيل عنه، ولأن القرآن محيي لميت الجهل، من أقبل عليه أفاده العلم والحكمة، فكان للقلب كالحياة للجسد، ومن أعرض عنه صار في ضلال وخبط فوصل إلى الهلاك الدائم، فكان إعراضه عنه مميتًا له، وجعل أبو حيان متعلق الباء في بفضل محذوفًا تقديره: {قل} ليفرحوا: {بفضل الله} أي الملك الأعلى: {وبرحمته} ثم عطف قصر الفرح على ذلك: {فبذلك} أي الأمر العظيم جدًا وحده إن فرحوا يومًا ما بشيء: {فليفرحوا} فهما جملتان وقال: إن ذلك أظهر، وفائدة الثانية قصر الفرح على ذلك دون ما يسرون به من الحطام فإن السعادات الروحانية أفضل من السعادات الجسمانية.
ثم صرح بسبب الفرح فقال: {هو} أي المحدث عنه من الفضل والرحمة: {خير مما يجمعون} أي من حطام الدنيا وإن كان أشرف ما فيها من المتاع دائبين فيه على تعاقب الأوقات، والعاقل يختار لتعبه الأفضل؛ والفضل: الزيادة في النعمة؛ والفرح: لذة في القلب بنيل المشتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ولما نبه الله تعالى في هذه الآية على هذه الأسرار العالية الآلهية قال: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} والمقصود منه الإشارة إلى ما قرره حكماء الإسلام من أن السعادات الروحانية أفضل من السعادات الجسمانية وقد سبق في مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبالغة في تقرير هذا المعنى فلا فائدة في الإعادة انتهى.
المسألة الثانية:
قوله: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} وتقديره: بفضل الله وبرحمته فليفرحوا، ثم يقول مرة أخرى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} والتكرير للتأكيد.
وأيضًا قوله: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} يفيد الحصر، يعني يجب أن لا يفرح الإنسان إلا بذلك.
واعلم أن هذا الكلام يدل على أمرين: أحدهما: أنه يجب أن لا يفرح الإنسان بشيء من الأحوال الجسمانية، ويدل عليه وجوه: الأول: أن جماعة من المحققين قالوا: لا معنى لهذه اللذات الجسمانية إلا دفع الآلام، والمعنى العدمي لا يستحق أن يفرح به.
والثاني: أن بتقدير أن تكون هذه اللذات صفات ثبوتية، لكنها معنوية من وجوه: الأول: أن التضرر بآلامها أقوى من الانتفاع بلذاتها ألا ترى أن أقوى اللذات الجسمانية لذة الوقاع، ولا شك أن الالتذاذ بها أقل مرتبة من الاستضرار بألم القولنج وسائر الآلام القوية.
والثاني: أن مداخل اللذات الجسمانية قليلة، فإنه لا سبيل إلى تحصيل اللذات الجسمانية إلا بهذين الطريقين أعني لذة البطن والفرج.
وأما الآلام: فإن كل جزء من أجزاء بدن الإنسان معه نوع آخر من الآلام، ولكل نوع منها خاصية ليست للنوع الآخر.
والثالث: أن اللذات الجسمانية لا تكون خالصة ألبتة بل تكون ممزوجة بأنواع من المكاره، فلو لم يحصل في لذة الأكل والوقاع إلا إتعاب النفس في مقدماتها وفي لواحقها لكفى.
الرابع: أن اللذات الجسمانية لا تكون باقية، فكلما كان الالتذاذ بها أكثر كانت الحسرات الحاصلة من خوف فواتها أكثر وأشد، ولذلك قال المعري:
إن حزنا في ساعة الموت أضعا ** ف سرور في ساعة الميلاد

فمن المعلوم أن الفرح الحاصل عند حدوث الولد لا يعادل الحزن الحاصل عند موته.
الخامس: أن اللذات الجسمانية حال حصولها تكون ممتنعة البقاء، لأن لذة الأكل لا تبقى بحالها، بل كما زال ألم الجوع زال الالتذاذ بالأكل ولا يمكن استبقاء تلك اللذة.
السادس: أن اللذات الجسمانية التذاذ بأشياء خسيسة، فإنها التذاذ بكيفيات حاصلة في أجسام رخوة سريعة الفساد مستعدة للتغير، فأما اللذات الروحانية فإنها بالضد في جميع هذه الجهات، فثبت أن الفرح باللذات الجسمانية فرح باطل، وأما الفرح الكامل فهو الفرح بالروحانيات والجواهر المقدسة وعالم الجلال ونور الكبرياء.
والبحث الثاني: من مباحث هذه الآية أنه إذا حصلت اللذات الروحانية فإنه يجب على العاقل أن لا يفرح بها من حيث هي هي، بل يجب أن يفرح بها من حيث إنها من الله تعالى وبفضل الله وبرحمته، فلهذا السبب قال الصديقون: من فرح بنعمة الله من حيث إنها تلك النعمة فهو مشرك، أما من فرح بنعمة الله من حيث إنها من الله كان فرحه بالله، وذلك هو غاية الكمال ونهاية السعادة فقوله سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} يعني فليفرحوا بتلك النعم لا من حيث هي هي، بل من حيث إنها بفضل الله وبرحمة الله، فهذه أسرار عالية اشتملت عليها هذه الألفاظ التي ظهرت من عالم الوحي والتنزيل، هذا ما تلخص عندنا في هذا الباب، أما المفسرون فقالوا: فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن.
وقال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله.
المسألة الرابعة:
قرئ: {فلتفرحوا} بالتاء، قال الفراء: وقد ذكر عن زيد بن ثابت أنه قرأ بالتاء وقال: معناه فبذلك فلتفرحوا يا أصحاب محمد هو خير مما يجمع الكفار، قال وقريب من هذه القراءة قراءة أبي: {فَبِذَلِكَ فافرحوا} والأصل في الأمر للمخاطب والغائب اللام نحو لتقم يا زيد وليقم زيد، وذلك لأن حكم الأمر في الصورتين واحد، إلا أن العرب حذفوا اللام من فعل المأمور المخاطب لكثرة استعماله، وحذفوا التاء أيضًا وأدخلوا ألف الوصل نحو اضرب واقتل ليقع الابتداء به وكان الكسائي يعيب قولهم فليفرحوا لأنه وجده قليلًا فجعله عيبًا إلا أن ذلك هو الأصل، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في بعض المشاهد: «لتأخذوا مصافكم» يريد به خذوا، هذا كله كلام الفراء.
وقرئ: {تجمعون} بالتاء ووجهه أنه تعالى عنى المخاطبين والغائبين إلا أنه غلب المخاطب على الغائب كما يغلب التذكير على التأنيث، فكأنه أراد المؤمنين هكذا قاله أهل اللغة وفيه دقيقة عقلية وهو أن الإنسان حصل فيه معنى يدعوه إلى خدمة الله تعالى وإلى الاتصال بعالم الغيب ومعارج الروحانيات، وفيه معنى آخر يدعوه إلى عالم الحس والجسم واللذات الجسدانية، وما دام الروح متعلقًا بهذا الجسد، فإنه لا ينفك عن حب الجسد، وعن طلب اللذات الجسمانية، فكأنه تعالى خاطب الصديقين العارفين، وقال: حصلت الخصومة بين الحوادث العقلية الإلهية وبين النوازع النفسانية الجسدانية، والترجيح لجانب العقل لأنه يدعو إلى فضل الله ورحمته والنفس تدعو إلى جمع الدنيا وشهواتها وفضل الله ورحمته خير لكم مما تجمعون من الدنيا لأن الآخرة خير وأبقى، وما كان كذلك فهو أولى بالطلب والتحصيل. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن فضل الله معرفته، ورحمته توفيقه.
الثاني: أن فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم والضحاك.
الثالث: أن فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن، قاله الحسن ومجاهد وقتادة.
{فَبَذلِكَ فَلْيَفُرَحُواْ} يعين بالمغفرة والتوفيق على الوجه الأول، وبالإٍسلام والقرآن على الوجهين الآخرين.
وفيه ثالث: فلتفرح قريش بأن محمدًا منهم، قاله ابن عباس: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يعني في الدنيا. روى أبان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ هَدَاهُ اللهُ لِلإِسْلاَمِ وَعَلَّمَهُ القُرآنَ ثُمَّ شَكَا الفَاقَةَ كَتبَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ». ثم تلا: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. اهـ.